فرقة موسيقية بتقنية الذكاء الاصطناعي تثير الجدل على Spotify
في زمن تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية بشكل لم يسبق له مثيل، دخل الذكاء الاصطناعي مجالات عديدة مثل الطب والتعليم والصناعة، ولكنه اليوم يطرق بابًا جديدًا ومثيرًا للدهشة، ألا وهو عالم الموسيقى. فقد ظهرت مؤخرًا فرقة موسيقية تُعرف باسم “The Velvet Sundown” على منصة Spotify، ويتزايد عدد مستمعيها بشكل مذهل، بينما يعتقد كثيرون أن هذه الفرقة بالكامل من إنتاج الذكاء الاصطناعي دون تدخل بشري مباشر.
هذه الظاهرة الجديدة أثارت موجة من التساؤلات والجدل بين عشاق الموسيقى والنقاد والمبرمجين على حد سواء، حول مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على الفن والإبداع، وهل يمكن اعتبار الموسيقى المنتجة بواسطة الآلة فنًا حقيقيًا؟ أم أنها مجرد محاكاة رقمية لمشاعر البشر؟ في هذا المقال، نستعرض تفاصيل هذه الظاهرة، خلفياتها التقنية، وردود الأفعال، والتحديات المستقبلية لهذا الاتجاه الجديد.
من هي فرقة The Velvet Sundown؟
هي فرقة موسيقية ظهرت فجأة على منصة Spotify وحققت في وقت قصير أكثر من 860,000 مستمع شهري، دون أي خلفية عن أعضائها أو تاريخ تأسيسها. لم تُجرَ مقابلات معهم، ولم يظهروا في أي فيديوهات أو حفلات موسيقية، ما دفع العديد من المتابعين إلى الاعتقاد بأن هذه الفرقة هي نتاج خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
بعض الباحثين في مجال الموسيقى الرقمية قاموا بتحليل الأغاني التي تنتجها الفرقة ووجدوا نمطًا متكررًا في الألحان وتوزيع الآلات، بالإضافة إلى أسلوب صوتي موحد يُحتمل أن يكون صوتًا مولدًا بالذكاء الاصطناعي باستخدام نماذج متقدمة مثل WaveNet أو VALL-E.
الذكاء الاصطناعي في صناعة الموسيقى
الذكاء الاصطناعي أصبح أداة قوية في مجال التأليف الموسيقي، حيث يمكنه تحليل ملايين الأغاني واستخلاص أنماط وتكوين مقاطع موسيقية جديدة مبنية على ما يحبه المستمعون. توجد بالفعل أدوات مثل AIVA وAmper Music وSoundraw تتيح للمستخدمين إنشاء موسيقى كاملة في دقائق معدودة.
باستخدام الشبكات العصبية والتعلم العميق، تستطيع هذه الأنظمة محاكاة أساليب موسيقية لفنانين معينين، أو حتى ابتكار أساليب جديدة تمامًا. وقد أثبتت فعاليتها في الاستخدامات التجارية مثل الإعلانات، الخلفيات الموسيقية، وألعاب الفيديو.
هل يمكن اعتبارها فنًا حقيقيًا؟
هذا هو السؤال المركزي في الجدل الدائر حاليًا. يرى البعض أن الفن لا يكون فنًا إلا إذا عبّر عن مشاعر وتجارب إنسانية، بينما يرى آخرون أن الذكاء الاصطناعي مجرد أداة، شأنها شأن أي آلة موسيقية، ويعتمد الإبداع على طريقة استخدام هذه الأداة.
إذا كانت الموسيقى المنتَجة قادرة على إثارة المشاعر وتحقيق تفاعل حقيقي مع الجمهور، فما الفرق إن كانت صادرة عن إنسان أو عن خوارزمية؟ من هذا المنطلق، قد يكون الفن ناتجًا عن الفكرة والتجربة الجمالية أكثر من كونه ناتجًا عن هوية المُنتِج.
التأثير على الفنانين الحقيقيين
يشعر العديد من الموسيقيين بالقلق من انتشار هذه الظاهرة، لأن الذكاء الاصطناعي يمكنه إنتاج مئات الأغاني يوميًا دون تعب أو تكلفة، وقد يؤدي ذلك إلى تقليل فرص الفنانين الحقيقيين في الظهور أو الحصول على دعم منصات البث.
لكن في المقابل، يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون شريكًا مبدعًا، يساعد الفنانين في توليد أفكار جديدة أو تجاوز حالات الجمود الفني. ومن الممكن أن تتشكل فرق هجينة تجمع بين البشر والآلات، حيث يعمل الإنسان على التوجيه والتعبير، فيما يقوم الذكاء الاصطناعي بالتحليل والتنفيذ السريع.
التحديات القانونية والأخلاقية
مع ازدياد اعتماد الذكاء الاصطناعي في التأليف الموسيقي، تظهر أسئلة قانونية معقدة مثل: من يملك حقوق هذه الأعمال؟ هل هو مبرمج الخوارزمية؟ أم الشركة المنتجة؟ أم لا أحد؟ وهل من الممكن مقاضاة الذكاء الاصطناعي إذا اقتبس جزءًا من عمل بشري آخر دون إذن؟
كما تُطرح تساؤلات أخلاقية حول استخدام بيانات صوتية لأشخاص حقيقيين دون إذنهم، أو إعادة إنشاء أصوات فنانين متوفين، وهو ما قد يؤدي إلى تضليل الجمهور أو استغلال إرثهم الفني.
كيف تعرف أن الأغنية مولدة بالذكاء الاصطناعي؟
رغم التطور الكبير في جودة إنتاج AI، هناك بعض العلامات التي قد تدل على أن العمل غير بشري، مثل: تكرار أنماط موسيقية، غياب التفاصيل الدقيقة في الأداء، انعدام التنفس أو المشاعر الطبيعية في الغناء، أو حتى تشابه الأغاني ضمن ألبوم واحد بشكل غير مألوف.
ومع تقدم التكنولوجيا، قد تصبح هذه الفروق غير واضحة، ويصعب على المستمع العادي التمييز بين العمل البشري والمولد آليًا، مما يدفع نحو ضرورة توفير أدوات فحص رقمية متخصصة لهذا الغرض.
رأي المنصات الموسيقية
حتى الآن، لم تُصدر Spotify أي بيان رسمي حول The Velvet Sundown، لكن تزايد الاهتمام بهذه الفرق قد يدفع المنصات مستقبلاً لوضع علامات تميز بين الأعمال البشرية والمصنوعة آليًا، بهدف الشفافية وحماية حقوق الفنانين الحقيقيين.
وقد بدأت بالفعل بعض المبادرات لمطالبة المنصات بتحديد أصل المحتوى الموسيقي، لتفادي التلاعب والتضليل، خصوصًا في حالات استخدام أصوات مشابهة لفنانين معروفين.
مستقبل الموسيقى في عصر الذكاء الاصطناعي
من الواضح أن الذكاء الاصطناعي لن يغيب عن عالم الفن في المستقبل القريب، بل سيصبح عنصرًا محوريًا في صناعة الموسيقى، سواء أحببنا ذلك أم لا. وسيكون التحدي الأكبر هو التوازن بين الإبداع البشري والقدرات التقنية، وبين الأصالة والتقليد.
قد نصل إلى مرحلة يكون فيها لكل شخص مساعد موسيقي ذكي خاص به، يؤلف له الأغاني حسب مزاجه وذوقه. وربما تظهر أنماط جديدة تمامًا من الفن الرقمي، تتجاوز حدود الفهم الحالي للفن التقليدي.
في النهاية، تبقى الموسيقى تعبيرًا عن النفس، سواءً كانت نابعة من قلب إنسان أو من معالجات رقمية فائقة الذكاء. لكن ما يجعلها تعيش في الذاكرة هو الشعور الذي تخلقه، والتجربة التي تتركها، لا الطريقة التي صُنعت بها.
تعليقات
إرسال تعليق